لمحة تاريخية

كانت منطقة الطريق الجديدة في بدايات القرن العشرين، فضاء لا ساكن فيها ولا سكن، أرضها رمال صفراء تتقاذفها الرياح العاصفة في الشتاء، وكانت بطبيعة الحال أرضاً موحشة وغير مطروقة من الناس، إلا أنها كانت مطروقة من بعض الحيوانات المتوحشة كالضبع وابن أوى والكلاب الضالة، يتجولون فيها امنين مطمئنين لا يعكر صفوهم معكر ولا يزاحهم فيها مزاحم.

وكانت بيروت القديمة، بعد الحرب العالمية الأولى، والتي سميت لاحقاً (البلد)، حيث: ساحة رياض الصلح وشارع رياض الصلح وشارع المعرض والشوارع المجاورة، كانت بيروت هذه، موطن الطبقة الفقيرة من المواطنين، وكانت عبارة عن أزقة ضيقة وبيوت قديمة لا ترى النور والهواء الا بمقدار.

وفي أوائل العشرينات من هذا القرن، اخذت الدولة تساير ركب الحضارة الحديثة، خططت الساحات الفسيحة والشوارع العريضة في البلد، ولتستطيع تنفيذ التخطيط فقد استملكت جميع الأملاك القديمة ثم أخرجت أهلها منها تدريجيا، بعد ان دفعت لهم ما قررته من اثمان زهيدة آنذاك.

وما ان قبض هؤلاء الأهالي قيمة بيوتهم المستملكة، حتى راحوا يبحثون عن أرض رخيصة الثمن وقريبة للبلد، يمكنهم شراؤها والبناء عليها بما في أيديهم من أموال، فهداهم البحث الى منطقة الطريق الجديدة حيث وجدوا فيها ضالتهم المنشودة، فعمروا أول ما عمروا، أطرافها القريبة، ثم مع الزمن أخذوا يتكاثرون ويتوغلون فيها، هم وغيرهم ممن أتى إليها من مختلف المناطق والقرى والبلدان المجاورة، فعمروها، وأصبح عدد سكانها في منتصف القرن العشرين حوالي مئة ألف نسمة تقريباً من جميع طبقات المجتمع، وأصبحت منطقة عصرية، قائمة على شوارع عريضة وساحات فسيحة، وقامت فيها البنايات الضخمة و الفخمة والمؤسسات العامة والخاصة، من تربوية وصحية ورياضية، نذكر منها على سبيل المثال:

  • جامعة بيروت العربية
  • ثانوية عمر بن الخطاب – الفاروق
  • ثانوية طريق الجديدة الرسمية
  • دار المعلمين والمعلمات الرسمية
  • مركز البرق والبريد والهاتف
  • المدينة الرياضية
  • الملعب البلدي
  • مستشفى المقاصد الخيرية الاسلامية
  • مستشفى دار العجزة الإسلامية
  • مؤسسات الرعاية الإجتماعية – دار الايتام الإسلامية
  • مقرّ الاطفائية

وغيرها الكثير من المدارس من رسمية واهلية، والمستوصفات والمؤسسات الخ….

كما أقيم فيها أيضاً في مطلع عهد لبنان بالطيران، مطار بيروت الدولي، وكان ذلك لفترة من الزمن ثم نقل بعدها الى خلدة حيث هو اليوم.

وكان في المنطقة سجن الرمل الذي كان ينغص على الجامعة لوجوده في وسط هذه المنطقة العامرة. وقد سعت الجمعية لدى الدولة طويلاً لنقله وإلحاق ارضه بالجامعة، إلى أن تم بدايةً في سبعينيات القرن العشرين، وتم استكمال ضم أرض سجن الرمل قانوناً إلى ملكية وقف البر والإحسان و وضعها بتصرف الجامعة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بمبادلة مع أرض الاستديو العصري بجهود مشكورة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

توطن بعض من أسسوا الجمعية في الطريق الجديدة

شاءت الأقدار أن تستهوي منطقة الطريق الجديدة افئدة بعض من اسسوا، فيما بعد، جمعية البر والاحسان نذكر منهم السادة:

جميل الرواس، إسماعيل الشافعي، احمد الرواس، راشد حوري، محي الدين البلعة، سليم العويني، محمد الجمال، صالح المكوك، محمد صبرا، صلاح الجندي، عمر حوري وغيرهم، وكان ذلك في الثلث الأول من القرن العشرين، فتوطنوا فيها، وواكبوا تطورها السكاني والعمراني، وبحكم الجوار، فقد تعارف هؤلاء السادة، وتآلفوا وتزاوروا، وتعاونوا فيما بعد على البر والاحسان والتقوى والعمل الصالح.

وفي الثلاثينيات، وقد زاد عدد السكان في المنطقة زيادة كبيرة وزاد معه بالتالي عدد الفقراء، راح هؤلاء السادة يفكرون بأمر هؤلاء الفقراء ويعملون على مساعدتهم، فالفوا فيما بينهم لجنة تجمع التبرعات من المحسنين، وتوزعها على المحتاجين، بشكل مواد غذائية والبسة وعلاجات، فترك عملهم هذا الأثر الطيب في النفوس، ثم تنادوا الى بناء اول مسجد في المنطقة (المعروف اليوم بمسجد الامام علي، رضي الله عنه) فجمعوا منهم ومن الناس، التبرعات، وأشرف على بنائه السيد جميل الرواس، الذي اصبح فيما بعد رئيس جمعية البر و الاحسان، ثم بعد أعوام من بناء المسجد، وقد ضاق بالمصلين، عمل على توسعته وإضافة السدة اليه، وعلى نفقته الخاصة السيد راشد حوري، الذي اصبح فيما بعد امين صندوق الجمعية.