القصة الأولى:
المرحوم سعد الدين باشا شاتيلا، كان شخصية بارزة، ووجيها،و كريم الأخلاق، إلا انه قد تواتر عنه بين الناس انه قليل البذل و العطاء للمشاريع الخيرية، كما تواتر عنه انه لا يدع سائله يخرج من لدنه إلا راضيا بما يقبضه من كلام لطيف ووعود جميلة .
وجاء من يقول للجمعية أن تقوم بزيارة له في قصره و تفاتحه بمشروع المدرسة، فكان رد الجمعية :و ما الفائدة من الزيارة و حال الباشا مع المشاريع كما بعلم الجميع، فرد القائل : و ما الخسارة من الزيارة ؟ لا شيء، فتالف عندئذ وفد من أعضاء الجمعية و من غيرهم، و توجهوا لقصره حيث استقبلهم أحسن استقبال، و جرت هناك أحاديث كثيرة و مباسطات وأتي طبعا على ذكر المدرسة و احتياج المنطقة إليها، وهنا وجّه السيد راشد حوري – أمين صندوق الجمعية إلى سعد الدين باشا ويقول له ما رأيك يا باشا بمن يريد الذهاب إلى باريس لقضاء فترة ترفيه و سرور، أيذهب إليها خاوي الوفاض؟ فأجاب الباشا : طبعا لا، بل يذهب و جيبه عامر بالمال و الشكات، فقال راشد عندئذ، إن كان من اجل باريس و لفترة و جيزة يجب إن يفعل ما تقول، فما قولك إذن بمن يحب أن بفوز بجنات النعيم التي تجري من تحتها الأنهار، و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين، أفلا يجب أن يتزود، للفوز بها، بإيمان و عمل صالح؟ هنا التفت الباشا إلى راشد، و قد فهم قصده، وقال أريد أن أرى مشروعكم، فحددنا موعدا لذلك، و جاء في الموعد المحدد، فاستقبلته الجمعية مع جموع الحاضرين أحسن استقبال، ورأى بأم عينه أساسات المبنى كله قائمة، فطلب عندئذ الخرائط التي وضعت بين يديه، والجميع من حوله يحبسون أنفاسهم بانتظار سماع ما يقول، و إذا بإصبعه تمتد إلى سبع غرف على الخريطة، و يقول انا أتبرع ببناء هذه الغرف، وإذا علمنا إن الغرفة آنذاك تكلف 3 ألاف ليرة فيكون تبرعه قد بلغ 21 ليرة لبنانية و بات باكورة التبرعات بعد تبرع أعضاء الجمعية، و ما أن سمع الحاضرون بتبرعه السخي حتى دوى المكان بالتصفيق و علت الأصوات بالهتافات و الدعاء، و جاء تبرعه دليلا على حسن توفيق الله للجمعية، ولا يسعنا إلا أن نضرع إلى العلي القدير أن يتغمده بوافر رحمته و أن يسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب.
بوشر بعد ذلك العمل في البناء و راحت الجمعية تشرح مشروعها، و تعمل له الدعايات و تبين أهميته و احتياج المنطقة إليه، و ذلك عن طريق الصحف و المنشورات و الاتصالات المباشرة و المساجد، و تدعوا الناس لرؤيته على الواقع ليتبرع من يريد أن يتبرع عن اقتناع و اطمئنان، فاستجاب لها الناس، كل حسب إمكانه وإلهامه، و رأت الجمعية تشجيعا للناس على التبرع، ان يخلد اسم كل متبرع بقيمة غرفة (3000 ليرة لبنانية )بكتابة اسمه على لوحة من الرخام ترفع فوق باب غرفته، فكان لهذه الفكرة أثرها الطيب، و خلد بعض المحسنين أسماءهم.
سار العمل كما قلنا يجد و نشاط، وبعد شهرين تقريبا من المباشرة حصلت القصة الثانية:
القصة الثانية :
في احد الأيام، و قد صادف عدم وجود احد من أعضاء الجمعية في الورشة، مر بالشارع القائمة عليه الورشة، المرحوم رياض بك الصالح و كان آنذاك رئيس مجلس الوزراء، فلفت نظره قيام هذا المبنى الضخم فأمر سائق السيارة بالوقوف، و دخل إليه، و سال العمال، ما هذا البناء فأجابوا بأنه مدرسة تقوم بانشائها، فسألهم ومن هم رجالها؟ فذكروهم له، فقال قولو لهم أن يحضروا إلى مكتبي في الوزارة .
و في اليوم التالي، ذهب الرئيس ونائبه و أمين الصندوق لمقابلة رئيس مجلس الوزراء في مكتبه، فوقف منهم على المشروع و أهدافه، فأكبره و أكبر العاملين و بارك جهودهم، و إذا بهذا الرجل الذي كان غارقا في السياسة لأذنيه، فلا تدع له مجالا للتفكير بسواها، ينساق، طائعا، إلى ميدان الخير و مشاريعه، بمجرد زيارته لمشروعنا ووقوفه على جدواه و أثره في المجتمع، وصار يحد لذة عظيمة في متابعة مشروعنا ووقوفه على جدواه و أثره في المجتمع، و كم من المرات كان يأتي إليه مرتين في اليوم، قبل الظهر و بعده، خاصة في أيام الجلسات البرلمانية الصاخبة، فكان يأتي بعدها لينفس عن نفسه كروب تلك الجلسات.
و أثمرت المقابلة بينه و بين الجمعية أينع الثمار، فقد شمل مشروع الجمعية بعطفه و رعايته، و لم يكتف بما تبرع به شخصيا له، بل حمل كريماته الفاضلات على التبرع، و سعى لدى الدولة فقدمت للمشروع منحة كريمة كما طلب إلى من كان له عليهم أياد بيضاء أن يتبرعوا فاستجابوا لطلبه، حتى بلغ مجموع ما نال مشروعنا على يديه (55) ألف ليرة لبنانية، ثم انطلق بعد مشروعنا في دعم كل مشروع خيري، فقامت بمؤازرته مشاريع ضخمة و كثيرة في البلد و بات فعل الخير و مساعدته للمشاريع جزءا من عمله بل من حياته .
و الجمعية إذ تذكر هذه القصة، تسأل الله أن يتغمد رياض الصلح برحمته و رضوانه و ويسكنه فسيح جناته.
سار العمل كما ذكرنا بهمة و نشاط و سرعة فائقة، و لم يتوقف و الحمد لله لحظة واحدة، فهل كانت التبرعات تأتي يا ترى بالقدر الكافي حتى استطاع العمل أن يستمر و لا يتوقف ؟ كلا، فالتبرعات كانت تقصر أحيانا عن المطلوب، فكان أمين الصندوق الحاج راشد حوري، فوق تبرعه السخي للمشروع، يمدها من ماله الخاص حتى لا يتوقف العمل . و رضي أيضا أن يستعيد بعض ماله الإضافي هذا، فيما بعد، من إيجار المدرسة أيضا.
وهكذا تم هذا البناء الضخم المؤلف من 35 غرفة تدريس و قاعة كبرى و منتفعات و ملاعب و جنائن في مدة 9 أشهر كانت الجمعية إثناءها تستجدي المال و تبني و تفكر و تدبر، فالحمد لله الذي يسر هذا العمل الجليل على يديها وجزى الله الذين ساهموا فيه أفضل الجزاء انه سميع مجيب.
وقد جرى تدشين هذه المدرسة سنة 1949 في عهد فخامة رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، بحضوره و حضور كبار الرسميين و حشد كبير من المواطنين، وقد نالت الجمعية على عملها هذا آنذاك وساما رفيعا من الدولة بشخص رئيسها الحاج جميل الرواس.
و بدأت المدرسة بعد التدشين تؤدي رسالتها على أكمل وجه و ارتفع عدد الطلاب فيها من 200 طالب كانوا في المدرسة التي أزالها شق الشارع إلى ألف طالب أو يزيد، وقد هدم المدرسة العدوان الإسرائيلي عالم 1982، وأعيد بناؤها مجدداً بدعم من الصندوق الكويتي ومتابعة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأعيد افتتاحها عام 1996.