عمر حوري

(١٩١٢-١٩٩٤) علم من أعلام المسلمين في بيروت ولبنان والعالم العربي، علم نذر نفسه من أجل خدمة مجتمعه وأمته متطوعاً لوجه الله تعالى. لامس القضايا والمشكلات الأساسية، فانشغل واهتم بها لما يحقق أعمال البرّ والإحسان، و في مختلف المجالات الإنسانية والخيرية والاجتماعية والتربوية، وقد استطاع هذا الرجل المعطاء أن يحمل “الهموم الاجتماعية والانسانية” على عاتقه لحلّها، وكأنها “فرض كفاية” إذا قام بها سقطت عن الآخرين.

 

لقد تمّيّز عمر بفكر ثاقب، ونشاط ملحوظ وهدوء لافت، وكان شعاره “العمل لا القول” فترك “الإنجازات العمرية” تتحدث عنه، وعن تضحياته من أجل تحقيقها.

عمل عمر حوري منذ أن كان فتى يافعاً من أجل الأعمال الخيرية، ومن أجل “الصدقة الجارية” والخير المستمر اللامتناهي من خلال مساهمته الخيّرة في دار العجزة الإسلامية، وجامعة بيروت العربية، وجمعية البر والإحسان ومدارس وثانويات البرّ والإحسان.

أما “العلم النافع” فقد ترك عمر العديد من المؤلفات والمأثورات والقصائد الهادفة التي عالج فيها مشكلات المجتمع واقترح حلولاً لها. ولا نغالي في هذا المجال أهمية اسهاماته العلمية من خلال دوره ومساهمته في بناء صروح علمية في بيروت يأتي في مقدمتها : جامعة بيروت العربية مدارس وثانويات البر والإحسان التي ساهمت في تعليم عشرات الآلاف من البيروتيين واللبنانيين والعرب.

بيئنه وحياته

أسرة الحوري من العائلات البيروتية من جذور مغربية ربما على غرار الكثير من الأسر البيروتية. وقد عمل الأوائل منها في التجارة والصناعة، يأتي في مقدمتهم الحاج أحمد بن محمد الحوري شيخ العقادين في بيروت المحروسة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وبرز من الأسرة الكثير ممن عمل في الميادين الخيرية والإجتماعية والإنسانية، منهم على سبيل المثال توفيق بن محمد الجدّ – والد عمر – الذي اشتغل لسنين طويلة في أعمال العطاء، وفي مقدمتها بناء مدرسة عائشة أم المؤمنين بمحاذاة حرج بيروت، كما قام بتوسيع جامع الحرج على نفقته الخاصة، وسواها من الأعمال الخيرية. كما برز من العائلة شقيقه الحاج راشد توفيق حوري أحد مؤسسي جمعية البر والإحسان في منطقة طريق الجديدة في بيورت، وأحد ضباط الجيش العثماني بين ١٩١٤-١٩١٨ وعضو المجلس البلدي في بيروت لسنين طويلة كما برز منهم إبراهيم الحوري أحد ضباط الجيش العثماني، وتشير بعض المعلومات الأخرى الى أن جذور الحوري تعود الى الحوريين، وموطنهم الأصلي بلاد ما بين النهرين. وقد انطلقت الأسرة من تلك البلاد إلى مناطق مختلفة في بلاد الشام: فلسطين، سوريا، لبنان.

 

وقد تشعبت الأسرة عبر تاريخها إلى عدة فروع منها أسر: الحوري، ازمرلي الحوري، أبو النصر الحوري، الحمصي الحوري، الدروبي الحوري، العقاد الحوري، اليافاوي الحوري، غريزه الحوري.

في هذه البيئة الصالحة والمتدينة ولد عمر حوري في بيروت عام ١٣٣١ هـ – ١٩١٢ م.

والده توفيق حوري أحد رجالات الخير في بيروت، ووالدته خديجة سلام، ومما تحدث به عن نفسه في هذا المجال قائلاً عمر حوري انسان عادي وطبيعي والحمد لله: نشأت في عائلة مشهورة بالخير والعطاء فقد كان عمي سعد الدين حوري الذي شيّد مدرسة البنات الحرش لذلك ترعرعت في جو مشحون بالخير والإيمان “وينشأ الغلام على ما كان والده” والحمد لله كانت نشأه اخلاقية دينية إنسانية. وقد أتاحت لنا الظروف بأن نحقق أهدافنا وأحلامنا ببذل الخير، وهذا بفضل الله عزّ وجلّ. وأنا أحمل دبلوم تجارة بعيد كل البعد عن أمور الإنسانيات، ولكن البيئة والجو العائلي كان لهما الفضل في هذه المسيرة.

 

هذا وتلقى عمر حوري دراسته الأولى في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، ثم في مدارس الليسيه الفرنسية في بيروت استناداً إلى شهادة صادرة في ٣١ آذار ١٩٣٠. كما توجه منذ صغره نحو الدراسات الاقتصادية والتجارية فالتحق في بيروت في مدرسة Ecole Pratique De Commerce Pigier ونال في العام الدراسي ١٩٣٠-١٩٣١ شهادة في الدراسات الاقتصادية. ثم أتم دراسته الثانوية في مدرسة الليسيه (اللاييك) ونال شهادة الثانوية التجارية.

وفي بيروت بدأ حياته العلمية موظفاً في جمرك مرفأ بيروت. قم بعد سنوات انتقل إلى العمل التجاري مع شقيقيه المرحومين الحاج راشد حوري، والحاج مصطفى حوري، فاشتغلوا بتجارة السجاد والأقمشة في شارعي اللنبي والمارسلياز. وبعد فترة اتجه الجميع إلى تأسيس معمل فيل دور Fil D’or لصناعة الخيطان، وهي صناعة موروثة من الأجداد.

وبعد سنوات من العمل رأى إكمال دينه استناداً الى السنّة النبوية المطهرة، فعقد زواجه على الآنسة حليمة بنت أمين بن خليل حلمي من مواليد بيروت ١٩٢٣ – المقيمة بمحلة الباشورة – رقم سجل ٢٩٦ (وهي من أسرة أصولها تركية توطنت بيروت في إبان العقد العثماني) وذلك يوم الأحد في ١٢ ذي الحجة سنه ١٣٥٨ هـ – ٢١ كانون الثاني ١٩٤٠م. وعقد العقد في منزل شقيقه الحاج راشد بصداق قدره ثلاثة آلاف قرش عثماني ذهباً معجّله الفا قرش، ومؤجله ألف قرش.

وكان شهود العقد والتوكيل راشد الحوري وكمال فرعون، ووكيل الزوجة شقيقها خليل حلمي، ومجري العقد الشيخ محيي الدين مكاوي وكانت ثمرات هذا الزواج أربعة شبان: عصام، عدنان، عزام، عمّار. وقد حرص الحاج عمر – رحمه الله – على أن يكون الحرف “ع” الحرف الأول من اسمه – هو ذاته الحرف الأول من أسماء أبنائه الأربعة.